الاثنين، 27 يونيو 2011

قوة الحقيقة في الثورة السورية



المنهج العقلاني في التغيير يستند على قاعدة صلبة تمثل كل أطياف اللون السوري ممن تعرضوا لفترات طويلة من القهر والطغيان موافقاً لتوجه كل فئة من حيث أنه فكري أو اجتماعي أو اقتصادي.
فالاستبداد يتوجه إلى الفكر ليسيطر عليه, ان استطاع جفف منابعه تماماً وإلا قام بعملية تسميم المنابع لتحريف الأفكار وتسخيرها لخدمة المستبد بدلا من خدمة المجتمع.
أما اجتماعيا نجده يعتمد الأسلوب الفرعوني الشهير الذي علا في الأرض  وجعل أهلها شيعاً وطوائف من خلال إثارة نزعات التفرقة التي تقسم الوحدة التكوينية المتنوعة للنسيج الوطني إلى تكتلات متناحرة فيما بينها مما يسهل سيطرته عليها.
في حين أنه يسيطر على مقدرات الاقتصاد من خلال إيجاد تربة رخوة تكون بيئة مناسبة لتكاثر ديدان تقوم بامتصاص خيرات البلد تحت مسمى رجال أعمال لا يعدون كونهم سوى مدراء في مؤسسة النهب العامة التابعة للنظام تاركاً غالبية الشعب تقتات على الفتات.
إن توحيد جهد هذه الطبقات الثلاث يشكل الأرضية الراسخة لقوة الحقيقة في الثورة السورية, هو ذات المبدأ الذي اعتمده داعية اللاعنف الهندي المهاتما غاندي عندما رأى أن سلطة الحاكم تعتمد على موافقة الرعية، فالحاكم يصبح عاجزاً بدون النظام الإداري للدولة وبدون الجيش وبدون انصياع قطاعات مفتاحية من الشعب.
يجدر بنا أن ننوه إلى أن الوسائل العادلة غالباً ما تحقق نتائج عادلة، هذا ما نجده في كلام غاندي "الوسائل للنتائج كالبذرة للشجرة".
الداعمون للعمل اللاعنفي يحاجون بأن الأعمال التي تُعتمد لتحقيق التغيير تؤثر على المجتمع بشكل حتمي، فتصبغه وتُقولبه في شكلها وأسلوبها، ويجادل أنصار هذا الأسلوب بأن من غير المنطقي أساساً أن يُستخدم العنف لتحقيق مجتمع مسالم.
عندما يقول مارتن كنج أن " الكراهية تشّل الحياة والحب يطلقها, والكراهية تربك الحياة والحب يُنسّقها, والكراهية تُظلّم الحياة والحب يُنيرها " هو بذلك يؤسس لمذهبه في الكفاح السلمي الذي خاضه لنّيل الحقوق المغتصبة للأمريكيين من أصل أفريقي, وتحويلهم من أقنان إلى مواطنين لهم كل الحقوق وعليهم كامل الواجبات.
 ظل كنج مؤمناً بفلسفة اللاعنف رغم كل ما تعرّض له من عنف كاد بسبه أن يفقد زوجته وأبنه, عندما ألقيت قنبلة على منزله, وحين وصل إلى البيت وجد جمعاً غاضباً من الأفارقة مسلحين على الاستعداد للانتقام, وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب, ساعتها وقف كنج يخاطب الجمع الغاضب" دعو الذعر جانباً, ولا تفعلوا شيئاً يمليه عليكم شعور الذعر,إننا لا ندعو إلى العنف  "
الحلم الأمريكي الذي تجسد في مسيرة كنج تحقق عندما فاز بارك أوباما بالانتخابات الرئاسة الأمريكية.  
في الإسلام عندما نتأمل هذا الخطاب العلوي الرقيق (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ), نجد فيه دعوة صريحة للاعنف,المنهاج الذي أسس له إسلاميا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كفاحه ضد القرشيين طيلة 13 سنة من دعوته, ففي الوقت الذي كان أصحابه يُلّقون على رمضاء مكة في صيفها الحار, كان يحضهم على الصبر, وعندما لاقى آل ياسر من التنكيل مالا يستطيعه بشر, بشرهم الرسول بالجنة ولم يسمح لهم بحمل السلاح. 
وقد تمثل ذلك النهج جلياً في مسلك تيارات الإسلام الوسطي المعاصر مع الحكام، فرغم كل أساليب التعذيب التي تعرضت لها، حاولت دائماً الحفاظ على خطها السلمي مستفيدة من تجربة تراكمية هائلة من الصراع مع السلطة الديكتاتورية تخللتها بعض الممارسات العُنفّية المنفلتة والتي غالباً ما كانت تتم باجتهادات شخصية نتيجة للعنف الهمجي الذي كانت تتعامل به الأجهزة الأمنية مع شباب الحركة الإسلامية.
في كتابه فقه الجهاد يقول القرضاوي" قوة الجماهير الشعبية العارمة والتي إذا تحركت لايستطيع أحد أن يواجهها أو يصد مسيرتها, لأنها كموج البحر الهادر, والسيل العرم لايقف أمامه شيء, حتى القوات المسلحة نفسها لأنها في النهاية جزء منها وهذه الجماهير ليسوا إلا أهاليهم وآباهم وأبناهم وأخوانهم ".
جودت سعيد الذي اعتنق مذهب ابن آدم في القصة التي ذكرها القرآن ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) كانت هي الفكرة التي كونت فلسفته في التغيير السلمي،إذ يراه أسلم الطرق في الانتقال من سلطة الفرد الديكتاتورية إلى سلطة الشعب الديمقراطية،فيقول :" عدم ردّي على الاعتداء سيوفر نصف القتلى لأنني حين أرد عليه أقتله ويقتلني, وبهذا يتضاعف عدد القتلى, أما إن امتنعت عن الرد فإن نصف القتلى سينجو من اللحظة الأولى ثم إن الآخرين لن يقتلوا منّا إلا جزءً يسيراً عما كانوا سيقتلونه في الحرب ".
على النقيض من ذلك يُعتبر كارل ماركس داعية عنف ومؤسس لمذهب الكفاح المسلح للقضاء على سلطة الدولة التي كانت زائدة طفيلية في نظره, وفي كتابه " كومونة فرنسا كتاب الحرب الأهلية الفرنسية " حلل ماركس التجربة الفرنسية وأوجه القصور والتعارض فيما بينها وبين نظريته في جانبها السياسي .. وحث على أنه من الضرورة القصوى للعمال الأخذ بزمام الحكم والوصول إلى قمة المراتب السياسية بتمرد مسلح, وبعدها العمل على تدمير الأسس التي تقوم عليها الطبقة الرأسمالية والعمل على حدوث التحول الثوري الذي سيشمل المناصب السياسية , عندها يقود هذا التحول إلى ما يسمى عند ماركس ديكتاتورية البروليتاريا.
عندما كانت الثورة الروسية تسير على سكة الإضرابات التي شملت الخدمات العامة_ الصحف ،عمال البرق و البريد وموظفي البنوك وعمال المخابز وسيارات النقل, كانت لا تزال سلمية اتباعا لنهج القس جورجي جالون، في تلك الاثناء كتب لينيين لأعوانه من جنيف " إننا نتكلم من ستة أشهر عن القنابل ولكنني لا اجد واحدة منها انفجرت "
إذاً لينين الذي نقل نظريات ماركس إلى الواقع الفعلي كان هو المسؤل عن تحول الثورة الروسية الى ثورة بمنتهى العنف.
ومن خلال تتبع نتائج المسلكين العنفي واللاعنفي في مسيرة حركات التحرر عبر الزمن يظهر لنا جلياً:
-        أن طريق التغيير السلمي الحضاري غالباً ما يفرز أنظمة ديمقراطية حقيقة تكون السلطة فيها مستمدة من إرادة شعبية حرة, بينما على الجانب الآخر نجد دعاة حمل السلاح بمجرد وصولهم للحكم تتحول السلطة إلى منهج ديكتاتوري استقصائي, مستمراً بطريق العنف في التعامل مع المخالفين سياسياً والذين كانوا حتى أمد قريب رفقاء الدرب.
-        وفي حين أن الطريق السلمي يحافظ على القوة العسكرية للبلد نجد أن العنف يحطم هذه القوة ويستنزفها والتي هي في الأخير ملك للشعب.
-        السلمية تعتمد بالأساس على الكتلة الشعبية الضخمة في التغيير، لذا فهي تعبر عن تطلعات الشعب بدون إرتهان الإردة الوطنية لقوى خارجية، والتي غالباً ما تمتلك أجندة لا تخدم المصلحة الوطنية, في حين أن العنف غالباً ما يتطلب تدخل خارجي مباشر, يكبل الدولة بقيود تصادر حرية القرار الوطني.
-        الجانب الأخطر هو عدد القتلى، ففي حين أن المظاهرت السلمية تحرج النظام وتجعله أكثر حذراً في طريقة القمع التي إن ارتفعت، ستفقده الكثير من مناصريه وستسحب الشرعية الدولية منه، لتجعله في عزلة داخلية وخارجية، الأمر الذي يزعزع أركان نظامه ويجعله يتهاوى من خلال انسحاب الكثير من دعائم الحكم لصالح الثوار,لكننا نجد أن حمل السلاح يسبب اندلاع حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس وتزهق الكثير من الأرواح من الجانبين والذين هم أخوة في الوطن وأن اختلفوا.
لذا فثورة التغيير الحضاري السلمي في سوريا والتي ما تزال ملتزمة بخطها اللاعنفي رغم كل محاولات النظام الفاشلة حرفها عن طريقها السلمي، يجب أن تظل ملتزمة بهذا الخط وفاءً لدماء الشهداء ودموع الأمهات حتى تحرير البلد من عفن الاستبداد وتقديم المتسببين لعدالة طالما حرمونا منها.

الخميس، 19 مايو 2011

نظام في غير زمانه


عندما يصف النظام السوري ما يجري في سوريا أنه مؤامرة خارجية حبكت بأيدي معادية لنهج الممانعة الذي يدعي النظام تبنيه وإحداث بلبلة في الشارع السوري ،هو يعيد الكلام الذي كرره النظامين الساقطين في كلا من مصر وتونس ،لكن الذي تميز بها جهابذة سوريا هو زعمهم أن جماعة مسلحة تحمل فكرا متطرفا وتمول من دول مجاورة تقوم باستهداف المواطنين وقوات الأمن في آن واحد
هذا الإخراج المتخلف لهذه المسرحية الهزلية الفاشلة يدل على عقم في التفكير السياسي لدى الجهة التي تتعامل مع الوضع الراهن في البلد وشلل تام في القدرة على مجاراة الأحداث، بل على العكس من ذلك تماما فمن الواضح أن النظام السوري وضع رؤية للتعامل مع الأحداث تعتبر خارج إطارها الزمني والمكاني والاجتماعي
الزمني :من حيث أننا نعيش في زمن الفيس بوك والإعلام الفضائي الذي أتاح الفرصة لكل شخص أن يصبح مراسل صانع للحدث وبذلك لن يستطيع النظام حجب الصورة الحقيقية وتقديم المشهد الذي يزيفه ليصبح الشاهد الوحيد
المكاني :الانتشار الواسع لرقعة الثورة التي باتت تغطي غالبية المدن السورية بما فيها أحياء عريقة من العاصمة ،الحالة التي يصعب معها الاستفراد الذي مارسه النظام في كلا من حماة والقامشلي مع تباعد الفترة الزمنية لكل منهما
الاجتماعي :الحالة الفريدة للحمة الوطنية التي ظهر فيها الشارع السوري بكل مكوناته وأطيافه والتي فشلت معها كل محاولات الرشى الفئوية والمناطقية لتفكيك هذا العقد الفريد
اذا ما استمر النظام بنفس الدرجة من الحماقة والهمجية في إدارة الأزمة من المتوقع أن يزداد عدد المنضمين إلى الثورة التي رفعت من سقف مطالبها الى المستوى الذي طالبت فيه بإسقاط النظام
عندها نصل الى نقطة اللاعودة التي لن تجدي معها كل محاولات الإصلاح ،وإنما إزالة بنيان قديم متهالك لإقامة آخر جديد يتناسب وحجم التضحيات التي قدمها شباب الثورة.
شامي متحضر


الخميس، 21 أبريل 2011

لنجعل هدفنا التغيير الحضاري السلمي


هناك مفهوم متجذر لدى النظام السوري يٌعتبر إحدى أهم الوسائل التي تساعده على إطالة  تواجده في سدة الحكم وإطباقه الخناق على رقاب السوريين, قائم على مبدأ أنه لا يمنح للشعب أي شيء ما دام يمتلك الوسائل المشروعة وغير المشروعة التي تمكنه من ذلك.
أما في اللحظة الحرجة التي يجد نفسه فيها مظطراً لتقديم تنازلات فإنه يحاول التلون والمراوغة قبل أن يقوم بتلبية متطلبات الناس.
هذا مالمسناه عندما استولى بشار على السلطة ،حيث قام بإصلاحات كإحداث جامعات خاصة والترخيص للبنوك الخاصة. هذه الأصلاحات كان من الممكن أن تتم في عهد الأب لكنها أجلت لعهد الأبن لتسجل في خطة التطوير والتحديث.
الآن بشار يصدرمراسيم متتالية كانت تنتظر منذ فترة طويلة جداً ،والتي ماكان لها أن ترى النور لولا حالة الضغوظ الهائلة من قبل الشباب المنتفض.
لكن الذي فات النظام أن حالة الاحتقان في الشارع السوري وكمية الإحباط لدى الشباب وصلت إلى مرحلة  لم تعد تجد معها أي عملية ترقيع .
المطلوب الآن هو افساح المجال أمام التداول السلمي للسلطة, وتهيئة كل الظروف التي يتطلبها الانتقال إلى هذه المرحلة.
لنجعل هدفنا التغيير الحضاري السلمي.

التغيير من منظور النظام السوري


قد يقوم النظام السوري بعمليات تجميلية كاستبدال قانون الطوارئ بآخر للإرهاب ,و بعض المراسيم التي تٌغير بالشكل دون المضمون ،قد تتطرق للمادة الثامنة من الدستور التي نصها حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة, مع بعض الإصلاحات كمنح الجنسية للأكراد المجردين منها وقانون للأحزاب لكي يزيد عدد التحف في متحف التعددية الهزلية .
هو عندما يقدم هذه التنازلات يكون مرغماً لفعل ذلك لذلك سيعطيها بالقطارة،ومع ذلك فإن تمت تلك الترقيعات ،سوف تجعل الحالة السورية شبيهة بالوضع المصري في عهد مبارك ،أي تعددية هزلية وحرية إعلام غير فاعلة على مبدأ ( هم بيتكلموا اللي عوزينو وأحنا نعمل اللي عوزينو ).
في هذه الحالة يحتاج الشعب ثلاثين سنه من حكم الأب ( بشار ) الذي الذي سيسمح بانتخابات رئاسية تعددية يضمن فيها الفوز ،ويعين بعدها ابنه حافظ الثاني رئيس السياسات في حزب البعث لتهيئته للحكم، عندها من الممكن أن يتم التغيير الحقيقي.
هذا ما يراهن عليه بشار وزمرة الفساد التي تعيش في مستنقعه, لكن الشعب السوري الذي تمكن من كسر حاجز الخوف وقدم أعظم التضحيات متمثلة في كوكبة الشهداء الذين سنبقى أوفياء لأرواحهم و لن نرضى دون الاقتصاص لهم بعد أن نحقق كل مطالبهم التي لن تتحقق دون زوال ليل الأستبداد وبزوغ سمش  الحرية التي لن تشرق دون الأتيان على هذا البناء المتهالك من أِساسه  .

لنجعل هدفنا التغيير الحضاري السلمي
شامي متحضر


الخميس، 24 مارس 2011

ألم تستمعوا الى حوران تستغيث؟



ما يحدث في سوريا يدعو للحزن والامتعاض, بلد صغيرة تذبح وإخوانهم في بقية المحافظات يتفرجون مكررين ماضيهم المحزن حينما دمرت حماة وانتهكت أعراضها على أيدي شلة من الفاسقين, والناس من حولها تقول حوالي ولا عليا.  وكذلك الأمر في القامشلي بل إن جزء من أهل القامشلي تحالف مع الطغاة ضد الثائرين وكان الثمن خزياً في الدنيا وفي الآخرة عذاب عظيم.
الفتيات تعتقل بطريقة مهينه والشوارب تختبئ, ألا فلا نامت أعين الجبناء .
 السوريون يعتقدون أنفسهم أذكى الناس وأشجعهم هذا على ما يبدو جاء نتيجة خيالات سكنتهم من متابعة العقيد أبو شهاب والسيد أبو عصام لكن في الواقع يستطيع عنصر أمن يجيد لهجة معينه أن يجعل فرائضهم ترتعد ليسلبهم ما يشاء وهم يبتسمون كي لا يشعرونه بعدم رضاهم على ما اغتصب منهم. كما تكونون يولى عليكم.
أستحلفكم بالله ألم تروا مصر و تونس وما فعله الشباب الحر هناك, ألا تتابعون اليمن وليبيا الآن, ألم تستمعوا الى حوران تستغيث, دماؤها تنزف وأطفالها تسجن مطالبين بالحرية والكرامة لكم.
ياشعبنا إلى متى هذا الهوان إلى متى نصفع على الخد الأيمن ومن ثم نعطي اليسار
هبوا  واغسلوا عار السنين فهذه الشام التي قال فيها الرسول صلى عليه وسلم   (يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ (هل تقبلون أن تحكم عاصمة الأمويين من قبل شلة الفاسقين محاربي الدين ومفسدي البشر والحجر.ِِ
والله المستعان ..

الاثنين، 14 فبراير 2011

النخب المأزومة والسياسة المهزومة


تعتبر أزمة النخب من اخطر الأزمات التي تجتاح العلم العربي لا بل يمكن  اعتبارها أم الأزمات, على اعتبار النخب المحرك الأساسي غير الرسمي لحركة الشارع القادر على قيادة مسيرة التغيير وتوجيهها التوجيه العقلاني المطلوب بحيث تكون حركة منسجمة منضبطة قادرة على الموازنة بين الإمكانات والأدوات المتوفرة لديها والظروف الناشئة المحيطة بها, اقصد البيئة التي من الممكن أن تشكل الحاجز المعوق لتقدم حركتها من جهة ومقاصد التغيير التي تتوافق وتطلعات الناس من جهة أخرى .
ثلاثة ركائز من الممكن أن يقوم عليها أي تغيير هي:
فكرة , أداة ,نخبة
الفكرة: من المعلوم أن الفكرة تتحول إلى معتقد (عقيدة ) عندما تعتنق أي يؤمن بها  الناس كطريق للخلاص سوءً كان هذا الخلاص دنيوي ينهي حالة القهر والحرمان  و ينتهي إلى ساحة  جديدة قوامها العدل والحرية  أو خلاص يفضي بصاحبه إلى جنة تجري من تحتها الأنهار.
الأداة: هي الفئات الأكثر بذل للجهد ومساهمة في البناء والأقل حصولاً على ثمرة هذا الجهد, وبقدر معانية وجع هذه الفئات ومعرفة مدى خطورته وانتشاره بين طبقاتها, وقرأت الواقع الذي تعيشه وأدراك الظروف الداخلية وتفهم  المنعكسات الخارجية, والتفريق بين ما هو مفيد وداعم وما هو معيق ومثبط  وتحديد  المرحلة الأكثر نضجاً وحالة الجهوزية التي عندها يصبح هذا الجمع الساكن قابل للحركة.
النخب: لها موقع الرأس من الجسد وميزة العقل على باقي الأعضاء وفضيلة المرشد على مختلف الأتباع, فهي القائد المسير والمعلم الملهم وبقدر توافر عقلية القيادة وإمكانات الوعظ و التأثير وكاريزما  الظهور والجذب في هذه النخب بالإضافة إلى الفقه الصحيح للثقافة الأصيلة للواقع الذي يعتبر الجانب الأهم في الشخصية النخبوية, حيث أن لكل شعب خصوصية ثقافية متميزة مستمدة من تاريخه وممزوجة بمعتقداته الدينية ومتأصلة في جينات أفراده, مع الأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي المكتسب أو حتى المفروض من الخارج بحكم أنه سيثري حركة التغيير.
لكنني أرى ان هناك أزمة نخبة حقيقة لم تنشأ من فراغ ولم تأتي من العدم لكنها جاءت نتيجة سياسة ممنهجة وبخطة مدروسة رسمها الطامحين لبسط نفوذهم على هذه المنطقة, ونفذها أذنابهم  من مثقفون مسخ حاولوا عزل هذه الأمة عن ارثها التاريخي والحضاري والثقافي مما جعلها عرضة لكل الأوبة الكونية, وأبطال وهميين اصطنعوهم لأنفسهم وصنعوا لهم انتصارات خرافية غير موجودة على ارض الواقع.
وقد تمت هذه الخطة على مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة تلويث المنابع قام بها هؤلاء المثقفون المسخ من خلال دس أفكار مشوهه ليست فقط دخيلة على ثقافة الواقع  لكنها في غالب الأحيان محاربه ومناقضة له, مع هذا فان الإرث الحضاري العريق الذي تتمتع به منطقتنا هو ارث أنساني عالمي بمعنى أنه يرحب بكل الأفكار ويحاورها ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل: 125 .
 إلا أنهم وبمساعدة الزعماء الجدد حاربوا هذا الإرث الثقافي الإنساني ساعين إلى إلغائه واجتثاثه من جذوره ولم يعطوا معتنقيه فرصة الدفاع عن ذاتهم الثقافية (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(الأنفال‏:‏ 30.
حيث أن تواجد أفكار متنوعة في ساحة واحدة وتشاكسها  يثري هذه الساحة وينتج تعايش يضمن للجميع التعبير عن نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة.
المرحلة الثانية: مرحلة تجفيف المنابع وهي الأخطر والأكثر بشاعة وفيها ظهر الوجه الحقيقي والبشع لهؤلاء القادة المُختَرعون والإبطال المزيفون, من خلال إعلانهم الحرب الأمنية المخابراتية التي لم تعد تكتفي بالطريقة الفرعونية الشهيرة لا أريكم إلا ما أرى, فالأخير قد حاور موسى وقبل منه الأخذ والرد أما هؤلاء فلا حوار يقبلون فكل من يتجرأ أن يهمس بما لا يرضوه له مصير واحد هو العذاب الأليم حتى يصبح الموت عندها منحة يمنون بها عليه. فكانت سياستهم أقتل ثم اقتل كل من تتوقع أنه يحمل فكرة أياً كانت غربية أم شرقية, فالمجتمع الذي ينشدون لا يحمل إلا فكرة واحدة هي فكرة تمجيد الزعيم والتسبيح بحمده فهو المالك والمعطي, ولا صوت يعلوا على صوت الحفاظ على عرش مالك الأرض  ومن عليها من الناس والدواب فهو يقطع ويوصل يرفع ويخفض وكلاً له قانتون وأعوذ بالله من غضب الله.
 بهذه الطريقة الشيطانية تم تخريب كل مكونات المجتمع من البشر والحجر وما تحت الثرى, فغدا المجتمع مريضا هزيلاً تزينه شعارات فضفافه لا تمت له بأية صلة استخدمت لاستدامة حالة الخدر التي يريدون للمجتمع أن يعيشها.
أما النخب التي عايشت هذا الوضع الخطير لم تتمكن من قراءة المشهد بشكل جيد  تمكنها من تحديد خطوات المرحلة بما يعود عليها بأقل الأضرار, بل على العكس دخلت في صراع أفقده الوجود الداخلي وفرصة النهوض مستقبلاً, وهي لاتزال تراوح مكانها بعد أن اصابها الكبر وقل نشاطها في الداخل وفقدت رصيدها الشعبي  .

الخميس، 3 فبراير 2011

متى تتحرك جماعة أبو فيصل؟


لنبدأ من أبو فيصل : السيد أبو فيصل هذا ليس بزعيم تيار سياسي ,أو قائد لتنظيم إرهابي كم أنه لم يكن شخصية أسطورية تضخمت بتعدد الروايات. أبو فيصل شخصية حقيقة جديرة بالاحترام عايشتها, وجلست معها نتبادل أطراف الحديث ونرتشف الشاي, وفي بعض الأحيان القهوة العربية.
 رجل في عقده الخامس, ضخم البنيان يحمل مسبحة في إحدى يديه, وفي الأخرى عصا لتساعده على المشي وله فيها مأرب أخرى, الصفة الأجمل في بطلناً هذا هي ابتسامته التي لا تفارق محياه, وأكاد اجزم بأنه ينام مبتسماً ويصحوا كذلك, سر سروره الدائم أنه رجل قد أنعم الله تعالى عليه أن رفع عنه التكليف, ليدرك مالا يدركه الذين يعتقدون, أن المولى عز ذكره قد حباهم برجاحة عقل مكنتهم, من فهم دقائق الأمور وإنزالها على ميزان الفرز الدقيق, واستنتاج الطرق الناجعة, لرسم خريطة طريق تمكن كل واحد منهم التعامل مع أبو فيصله.
 تشابه الحالة وتوافق التشخيص وتلاقي الموقف, هو ما دعاني أن أعيد التسجيل في ذاكرتي لعشرة سنين خلت حيث الموقف الخالد لأب فيصل ونحن نسأله:
 أبو فيصل ايمتى تجوز؟
 يجيب بلهجة الواثق من صحة موقفه وصدق عفويته:  أخي تجوز.
 جواب أبو فيصل هذه يعتقد أصحاب التفكير الرزين والقرارات الشجاعة والخطط الخماسية التي متخرش آلميه, أن فيه تتطابقاً وحالة الشعب المخدر في ارض الشام. حين ترى جموع الشعب التونسي وهي تتحرك حركة منسجمة ومتوافقة ومنضبطة,  لتعطي العالم درس قله نظيره, أن إرادة الشعوب الحرة وحدها تحدد وجهة سيرها, وإدراكها مكامن الوجع في جسدها, قد مكانها من معرفة العلاج الناجع, والوصفة السحرية  التي بها تسترد عافية الكرامة, دونما تعويل على  دعم خارجي مشروط يعيد البلاد إلى حالة الارتهان إلى القوى الخارجية التي تصادر الإرادة الحرة للقرار الوطني, وتجعل من البلد ملحقاً لإحدى وزارت الخارجية في الدول الداعمة, وبذلك يكون التغيير على مستوى الصورة دون المضمون. كمن يأتي إلى بيت متهالك الأساس والسقف فيقوم بترميم جدرانه وعم ديكورات حديثه لحيطانه وتجديد الإضاءة, ليترك سكانه عرضة لسقوط مفاجئ ينزل على أم رؤؤسهم أو, مطر دائم يجعلهم كمن يبيت تحت مزراب. والأهم من ذلك أنهم لم ينتظر المدد من الحركات والأحزاب المسيسة, وأن كانوا لا يقبحون ذلك كونها نسيج من هذا الجسد لكنها اضعف من تقوم بمهمات المرحلة الثقيلة, حيث أن أصحاب الافكار الخلاقة والخطط الخمسية الخلابة, قد عرقلوا تدفق الدماء في عروق جسمها السياسي لتغدو هزيلة ضعيف النشاط.
 ومن تونس كانت البداية لتلحق بها هبة شعب  السبعة آلاف سنه حضارة خير أجناد الأرض المصريين, الذين لايزالون يشقون طريق العزة والكريمة  حتى إزاحة فرعون العصر الحديث  ذاك الذي حاول تقزيم مصر وإلغاء دورها المحوري وكسر أهم دعامة كانت تستند عليها الشعوب العربية في صراعها الأزلي مع الورم السرطاني الذي يمتد ناشراً الموت والدمار في الجسم العربي.
لكن عسر الفهم الذين يعاني منه جميع الطغاة والمستبدين والإيمان المطلق بالحل والأمنية والقبضة الحديدة للتعامل مع أي تيار يحاول الخروج بالبلد المختنق من تلوث القبضة الأمنية والفكر الواحد والحزب القائد للدولة والمجتمع, وهم يحولون مخالف سنه الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين. (هود:118 وهم بذلك يتبعون سنة فرعون ونهجه   ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر:29.
لكن اليقين الأبدي أنك لن تجد لسنة الله تبديلا, وسيكون المصير المحتوم هو الطريق الذي تختاره هذه الشعب الناضجة الحية في ارض الشام, فجراحات الماضي من تدمر إلى حماة وصولا إلى القامشلي, والأخطاء التي ارتكبتها بعض النخب في إدارة الصراع الذي فرض عليها قسرا من سلطة القهر التي كانت عادلة في توزيع الظلم على جميع أطياف المجتمع. جعل من كل الشباب  نخباً واعية لمتطلبات المرحلة وقادرة على وضع خطة إنقاذ للبلد, سلمية وحضارية لاتحمل سوى الوقفة الواعية والكلمة الصادقة والرؤية الواضحة.
 والتغيير قادم قادم لامحالة, والذين سيتأخرون عن هذا الركب المبارك والنهار الذي بدأت خيوط فجره تشع لن يكونوا أعلى وأوسط الصفحة. ولو توقع النظام أننا من جماعة الرجل الدرويش البسيط أبو فيصل, سنكون من جماعته بطرح مبتسم متفائل بمستقبل مشرق لنا ولأطفالنا .. والله المستعان.