الاثنين، 14 فبراير 2011

النخب المأزومة والسياسة المهزومة


تعتبر أزمة النخب من اخطر الأزمات التي تجتاح العلم العربي لا بل يمكن  اعتبارها أم الأزمات, على اعتبار النخب المحرك الأساسي غير الرسمي لحركة الشارع القادر على قيادة مسيرة التغيير وتوجيهها التوجيه العقلاني المطلوب بحيث تكون حركة منسجمة منضبطة قادرة على الموازنة بين الإمكانات والأدوات المتوفرة لديها والظروف الناشئة المحيطة بها, اقصد البيئة التي من الممكن أن تشكل الحاجز المعوق لتقدم حركتها من جهة ومقاصد التغيير التي تتوافق وتطلعات الناس من جهة أخرى .
ثلاثة ركائز من الممكن أن يقوم عليها أي تغيير هي:
فكرة , أداة ,نخبة
الفكرة: من المعلوم أن الفكرة تتحول إلى معتقد (عقيدة ) عندما تعتنق أي يؤمن بها  الناس كطريق للخلاص سوءً كان هذا الخلاص دنيوي ينهي حالة القهر والحرمان  و ينتهي إلى ساحة  جديدة قوامها العدل والحرية  أو خلاص يفضي بصاحبه إلى جنة تجري من تحتها الأنهار.
الأداة: هي الفئات الأكثر بذل للجهد ومساهمة في البناء والأقل حصولاً على ثمرة هذا الجهد, وبقدر معانية وجع هذه الفئات ومعرفة مدى خطورته وانتشاره بين طبقاتها, وقرأت الواقع الذي تعيشه وأدراك الظروف الداخلية وتفهم  المنعكسات الخارجية, والتفريق بين ما هو مفيد وداعم وما هو معيق ومثبط  وتحديد  المرحلة الأكثر نضجاً وحالة الجهوزية التي عندها يصبح هذا الجمع الساكن قابل للحركة.
النخب: لها موقع الرأس من الجسد وميزة العقل على باقي الأعضاء وفضيلة المرشد على مختلف الأتباع, فهي القائد المسير والمعلم الملهم وبقدر توافر عقلية القيادة وإمكانات الوعظ و التأثير وكاريزما  الظهور والجذب في هذه النخب بالإضافة إلى الفقه الصحيح للثقافة الأصيلة للواقع الذي يعتبر الجانب الأهم في الشخصية النخبوية, حيث أن لكل شعب خصوصية ثقافية متميزة مستمدة من تاريخه وممزوجة بمعتقداته الدينية ومتأصلة في جينات أفراده, مع الأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي المكتسب أو حتى المفروض من الخارج بحكم أنه سيثري حركة التغيير.
لكنني أرى ان هناك أزمة نخبة حقيقة لم تنشأ من فراغ ولم تأتي من العدم لكنها جاءت نتيجة سياسة ممنهجة وبخطة مدروسة رسمها الطامحين لبسط نفوذهم على هذه المنطقة, ونفذها أذنابهم  من مثقفون مسخ حاولوا عزل هذه الأمة عن ارثها التاريخي والحضاري والثقافي مما جعلها عرضة لكل الأوبة الكونية, وأبطال وهميين اصطنعوهم لأنفسهم وصنعوا لهم انتصارات خرافية غير موجودة على ارض الواقع.
وقد تمت هذه الخطة على مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة تلويث المنابع قام بها هؤلاء المثقفون المسخ من خلال دس أفكار مشوهه ليست فقط دخيلة على ثقافة الواقع  لكنها في غالب الأحيان محاربه ومناقضة له, مع هذا فان الإرث الحضاري العريق الذي تتمتع به منطقتنا هو ارث أنساني عالمي بمعنى أنه يرحب بكل الأفكار ويحاورها ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل: 125 .
 إلا أنهم وبمساعدة الزعماء الجدد حاربوا هذا الإرث الثقافي الإنساني ساعين إلى إلغائه واجتثاثه من جذوره ولم يعطوا معتنقيه فرصة الدفاع عن ذاتهم الثقافية (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(الأنفال‏:‏ 30.
حيث أن تواجد أفكار متنوعة في ساحة واحدة وتشاكسها  يثري هذه الساحة وينتج تعايش يضمن للجميع التعبير عن نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة.
المرحلة الثانية: مرحلة تجفيف المنابع وهي الأخطر والأكثر بشاعة وفيها ظهر الوجه الحقيقي والبشع لهؤلاء القادة المُختَرعون والإبطال المزيفون, من خلال إعلانهم الحرب الأمنية المخابراتية التي لم تعد تكتفي بالطريقة الفرعونية الشهيرة لا أريكم إلا ما أرى, فالأخير قد حاور موسى وقبل منه الأخذ والرد أما هؤلاء فلا حوار يقبلون فكل من يتجرأ أن يهمس بما لا يرضوه له مصير واحد هو العذاب الأليم حتى يصبح الموت عندها منحة يمنون بها عليه. فكانت سياستهم أقتل ثم اقتل كل من تتوقع أنه يحمل فكرة أياً كانت غربية أم شرقية, فالمجتمع الذي ينشدون لا يحمل إلا فكرة واحدة هي فكرة تمجيد الزعيم والتسبيح بحمده فهو المالك والمعطي, ولا صوت يعلوا على صوت الحفاظ على عرش مالك الأرض  ومن عليها من الناس والدواب فهو يقطع ويوصل يرفع ويخفض وكلاً له قانتون وأعوذ بالله من غضب الله.
 بهذه الطريقة الشيطانية تم تخريب كل مكونات المجتمع من البشر والحجر وما تحت الثرى, فغدا المجتمع مريضا هزيلاً تزينه شعارات فضفافه لا تمت له بأية صلة استخدمت لاستدامة حالة الخدر التي يريدون للمجتمع أن يعيشها.
أما النخب التي عايشت هذا الوضع الخطير لم تتمكن من قراءة المشهد بشكل جيد  تمكنها من تحديد خطوات المرحلة بما يعود عليها بأقل الأضرار, بل على العكس دخلت في صراع أفقده الوجود الداخلي وفرصة النهوض مستقبلاً, وهي لاتزال تراوح مكانها بعد أن اصابها الكبر وقل نشاطها في الداخل وفقدت رصيدها الشعبي  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق